يعاني قطاع الصناعة التقليدية بمدينة مكناس من ضعف التنظيم في غياب تأطير حقيقي للصناع التقليديين عبر التعاونيات الحرفية. وعلى الرغم من أن العاصمة الإسماعيلية تشتهر بصناعة الفخار والخزف منذ عهود بعيدة، فإنها ومع كل الأسف لا تضم إلا 3 تعاونيات في هذا الصنف وتعاونيين فقط للنسيج حسب إحصائيات سنة 2003 كما تعاني أيضا من خصاص كبير في محلات الصناعة التقليدية والمناطق الحرفية وقرى الصناعة التقليدية. وإذا كان الصناع قد استبشروا خيرا بإحداث قرية الصناعة التقليدية بساحة للا عودة، الصناع التقليديين الذين التقتهم "الوطن الآن" يرون أن ذلك يبقى غير كاف بالنظر للأزمة الخانقة التي تتخبط فيها الصناعة التقليدية، بسبب ضعف التسويق وقلة المعارض والتكلفة العالية من أجل المشاركة في معارض خارج الوطن، مما ساهم في اندثار العديد من الحرف. في هذا الصدد يقول عبد المالك [صانع تقليدي وعضو بغرفة الصناعة التقليدية] "لقد سبق لنا أن ناقشنا مشاكل الصناعة التقليدية بمكناس في العديد من المناسبات، ولكن دون تحقيق أدنى شيء يذكر. فالعديد من الحرف أصبحت في طور الانقراض كـصناعة السروج. كما أن صناعة الحديد المرصع بالفضة هي الأخرى مهددة، علما أن مكناس لا تضم سوى 3 صناع في هذا الصنف". عبد المالك أشار أيضا إلى غياب دور فعال لغرفة الصناعة التقليدية من أجل تأهيل القطاع أو البحث عن المعارض.
من جانبه أكد عبد الخالق المغاري [صناعة الخشب] أن الصناعة التقليدية تعاني من غلاء المواد الأولية وعدم توفر ظروف مريحة للصناع، بسبب غياب التغطية الصحية وغياب التأمين، بالإضافة إلى ضعف الإقبال على اقتناء المنتوجات التقليدية من طرف المستهلكين، وهو ما يعود حسب عبد الخالق المغاري إلى تردي الذوق الفني وعدم اهتمام وسائل الاعلام بالتعريف بمنتجات الصناعة التقليدية. وأضاف قائلا "مندوبية الصناعة التقليدية بمكناس أعطت أهمية كبرى للتقارير في غياب توجيه وإرشاد حقيقي للصناع التقليديين".
وإذا كانت صناعة النقش على الخشب متأثرة كثيرا بتراث الأندلس والمشرق العربي، فإنها على الرغم من غناها الكبير من حيث الزخارف والنقوش تبقى مهددة هي الأخرى بالانقراض في غياب العناية الكافية حسب الصانع التقليدي يوسف المخطوبي [النقش على الخشب] الذي أشار أيضا إلى أن نقوش "التسطير" و"التوريق" و"البخاريات" و"الخرصنة" التي نجدها تضفي بهاء كبيرا على باب منصور وباب الخميس أصبحت هي الأخرى مهددة بالانقراض، مؤكدا أن السياح الأجانب يعشقون اقتناء منتجات تحمل بصمة الحضارة المغربية، من نقوش وزخارف أصيلة. كما أشار أيضا الى وجود مافيات تبتز السياح، مما يسيء إلى سمعة المدينة. فبعض تجار البازارات في المدينة القديمة يبيعون المنتوج بضعف ثمن شرائه عشر مرات، حسب تصريح يوسف المخطوبي.
كما أن الصناع لا يجدون بدا من التعامل مع الوسطاء في ظل ضعف الإقبال على المنتجات التقليدية محليا حسب أحد الصناع التقليديين.
الوضع المأزوم الذي تعيشه الصناعة التقليدية أصبح يستلزم تدخلا عاجلا، لا سيما بعد استحواذ المحلات التجارية على أحياء بكاملها كانت معروفة في السابق بالحرف التقليدية مثل حي النجارين الذي تحول إلى حي لبيع الملابس الجاهزة والحلي، وحي السلالين الذي اكتسحته هو الآخر التجارة بعد أن كان معروفا بصناعة القفة والسلة التقليدية باستعمال الدوم و القصب، وهي المنتجات التي يبحث عنها السائح الأجنبي بلهفة. فالصانع بإمكانه إبداع أوكار للحمام وخزائن صغيرة، حيث لم يتبق سوى صانع تقليدي للسلة التقليدية. كما لم تعد مكناس تتوفر سوى على صانعين في الصباغة على الخشب، و8 صناع في صناعة الخشب للاستعمال التقليدي [العوادة]، و8 صناع في النسيج التقليدي، كما اندثرت صناعة الزخرفة على الزجاج. وحدها صناعة الملابس التقليدية الخاصة بالنساء التي استطاعت الصمود عبر إدخال لمسات من سحر الموضة، حيث صممت جلابيب ملتصقة بالأجساد لتحقيق الإثارة تماشيا مع الموضة الغربية و"شرابل" بتصاميم مغرية. وتضم المدينة القديمة لمكناس 141 وحدة لبيع الملابس التقليدية للنساء، كما برز أيضا صنف جديد من الصناعة التقليدية يعتمد أساسا على الديكور.
نحن واعون جيدا بوضعية الصناعة التقليدية بمكناس [يصرح مندوب الصناعة التقليدية بمكناس رشيد بوزياد] حيث سبق لنا أن قمنا بتشخيص الوضع، حيث تم وضع استراتيجية وطنية سميت برؤية 2015 أهم ركائزها خلق وحدات إنتاجية رافعة من أجل تحقيق أرقام معاملات مهمة. فالمشكل الذي نواجهه هو مشكل ضعف الإنتاج". مضيفا "نطمح إلى خلق صانع تقليدي مقاول عبر إعادة النظر في هياكل الإنتاج. فهناك مشروع الرميكة في الطريق، والذي سيمكن من تشغيل 200 صانع تقليدي".
وبخصوص مشكل ضعف إرشاد وتوجيه الصناع أشار المندوب "لقد أعددنا برنامجا يهم إعادة تكوين الصناع التقليديين وهناك تفكير في خلق وحدات إنتاجية على مستوى العالم القروي".
وفي ما يخص اندثار العديد من الحرف التقليدية، أكد مندوب الصناعة التقليدية أن "لكل منتوج عمرا محددا، خاصة أمام منافسة المنتوجات المصنعة، وهو ما يستدعي ابتكار منتوجات تقليدية تساير التطور في نمط الاستهلاك كـصناعة الهدايا التقليدية